-A +A
عبدالله صادق دحلان
منذ سنوات طويلة ونحن نتابع جهود الدولة التنموية في العديد من المشاريع الاقتصادية، وعلى رأس هذه المشاريع المدن الصناعية التي كان لها دور كبير في النهضة الصناعية في المملكة وذلك من خلال المميزات التي تقدمها للمستثمرين في مجال الصناعة، وأهم هذه الخدمات التمويل المالي من خلال صندوق التنمية الصناعي وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجستية من خلال إدارة المدن الصناعية، وتأتي مدينتا الجبيل وينبع الصناعية في مقدمة المدن الصناعية الناجحة وعلى وجه الخصوص في مجال الصناعات الأساسية، ثم تأتي بعدها في الأهمية المدن الصناعية المنتشرة في جميع مناطق المملكة التي تحتضن صناعات مختلفة، ثم توجهت المملكة في السنوات العشر الأخيرة إلى إنشاء المدن الاقتصادية؛ ومنها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية التي نتمنى أن تحقق هذه المدن الأهداف التي أنشئت من أجلها.

وبعد نجاح المدن الصناعية ومع طموحاتنا لنجاح المدن الاقتصادية، أطرح اليوم فكرة إنشاء مدن طبية متخصصة في مواقع مناسبة بحيث تخصص مساحات كبيرة لإنشاء مدن متكاملة مدعمة بالبنية التحتية والخدمات اللوجستية تبنى عليها مستشفيات متخصصة في معظم المجالات وليس مستشفى واحدا يشمل جميع التخصصات، وعلى سبيل المثال إنشاء مستشفى متخصص لأمراض القلب لجميع الفئات العمرية، ومستشفى متخصص لأمراض الأطفال، وآخر لعلاج السرطان، وللولادة وأمراض النساء، ومستشفى متخصص لأمراض الكبد وآخر للصدريات ومستشفى للمخ والأعصاب وغيرها من المستشفيات المتخصصة ومراكز علاج للشيخوخة والعلاج من الإدمان، على أن تتوفر في المدينة الخدمات المساندة للمستشفيات مثل معامل التحليل المتخصصة، ومراكز الأشعة المتنوعة، على أن ينشأ بالمدينة مركز لإعادة تأهيل المرضى بعد العمليات، وإنشاء مركز للعيادات الخارجية يعمل بها الأطباء العاملون في المستشفيات بعد ساعات الدوام، كما يخصص جزء في المدينة لإنشاء كليات الطب بجميع التخصصات وكلية تمريض وكلية متخصصة لصيانة وتشغيل الأجهزة الطبية، على أن ينشأ في المدينة فنادق وشقق فندقية متعددة المستويات للمرضى وذويهم وتوفير خدمات ترفيهية مساندة لمرافقي المرضى، على أن يتم اختيار مواقع هذه المدن الطبية في مواقع سهلة الوصول إليها، وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح تخصيص اثنين مليون متر مربع في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في الجانب الشمالي الغربي منها المواجه للبحر الأحمر، ولا سيما أن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بها جميع مقومات نجاح المدينة الطبية، وأهم هذه الخدمات محطة قطار الحرمين والميناء البحري والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والمطار المتوقع إنشاؤه مستقبلاً والمجمعات السكنية والفندقية، وأقترح أن يكون مثيل لهذه المدينة شمال مدينة الرياض وجنوب ساحل المنطقة الشرقية على ساحل الخليج العربي، وبالإمكان تكرار هذا النموذج من المدن الطبية في مناطق أخرى في المملكة.


إن بلادنا في أمس الحاجة إلى مدن طبية متكاملة تدار بفكر اقتصادي، حيث إن التوقعات لإجمالي عدد سكان السعودية سيصل الى 38.5 مليون نسمة حسب رؤية 2030. إن زيادة نسب النمو السكاني مع انخفاض نسب نمو المشاريع الصحية من مستشفيات ومراكز صحية يدعم اقتراحي اليوم، علما أنه وصل إجمالي عدد المستشفيات في المملكة حوالي 462 مستشفى وإجمالي عدد الأسرة في هذه المستشفيات إلى حوالي 69.394 سريرا، وإجمالي عدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة والجهات الحكومية والقطاع الخاص في المملكة إلى حوالي 86.756 طبيبا حسب الإحصائيات الواردة في الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2015م والصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، ورغم الجهود التي تبذل من وزارة الصحة والوزارات الأخرى كالدفاع والداخلية في إنشاء المستشفيات العسكرية وبالإضافة إلى بعض جهود القطاع الأهلي إلا أن هناك أزمة علاج في المستشفيات الخاصة والحكومية.

إن اقتراحي بإنشاء المدن الطبية يتزامن مع التوجه الذي تهدف له الرؤية المستقبلية نحو إعطاء القطاع الخاص مزيدا من المسؤولية والتوجه نحو خصخصة القطاع الصحي، كما أن مؤشرات نمو التأمين الطبي إيجابية نتيجة فرض التأمين الطبي على موظفي القطاع الخاص ومن يعولونهم، وتوجه الدولة إلى فرض التأمين الطبي حتى على موظفي الدولة والمواطنين ومع عودة الحياة الاقتصادية لشركات التأمين الطبي التي بالإمكان السماح لها بزيادة رؤوس أموالها للدخول كشركاء في بناء هذه المدن الطبية المتخصصة، وبالإمكان أن تنشأ لكل مدينة طبية شركة مساهمة ولا مانع أن يتبنى صندوق الاستثمارات السعودي المبادرة في تبني هذه المشاريع في كل منطقة بالمشاركة مع القطاع الخاص، علما بأن هناك طلبا متعاظما على الخدمات الطبية في جميع أنحاء المملكة، وأجزم أن إنشاء المدن الطبية هي الأولى بالدعم لارتباطها بمصلحة المواطن من دعم المدن الاقتصادية والصناعية، وبالإمكان أن تتحول المملكة مستقبلا إلى منطقة جذب للعلاج والاستشفاء الطبي يستقطب المرضى من جميع أنحاء الدول العربية والخليجية والأفريقية، واقتراحي لا يستنزف ميزانية الدولة وإن كان هو من صميم أعمالها، إلا أنه يستهدف استثمار الأموال المجمدة والمهاجرة في مشاريع داخل الوطن الذي هو في أمس الحاجة لها، ومن المؤكد أن هذه المشاريع سوف تسهم في خلق فرص عمل للشباب والشابات السعوديين، وعلى وجه الخصوص الأطباء والممرضون والمهندسون والفنيون.

* كاتب اقتصادي سعودي